سلفي في عرفات
بسم الله الرحمن الرحيم , والصلاة والسلام على خير المرسلين سيدنا محمد وعلى آل بيته الطاهرين ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين, وبعد:
انتشرت في السنوات الأخيرة في موسم الحج أن يلتقط بعضُ الحجاج صوراً لهم ولأصدقائهم صوراً داخل الحرم المكي أو أثناء الصعود إلى صعيدِ عرفات وينشروها على صفحاتهم الخاصّة على مواقع التواصل الاجتماعي, وليس فقط البسطاء والعاديون من الناس يفعلونَ ذلك بل تخطى ذلك إلى بعض الدعاة وعلماء الدين، حيث صور بعضهم نفسه وهو يدعو لنفسه ولأصحابه ولأصدقائه من على جبل عرفات.
لست هنا بصدد الحديث عما يفعلونه بغضّ النظر إن كانَ ما يفعلونه صحيحاً أو خاطئاً, حلالاً أم حراماً، وهل هو من السنّة أو يخالفها، فلم يكن في عصر النبي صلى الله عليه و سلمو أصاحبه الكرام “فيس بوك” ولا كميرات عالية الدقّة. ولكنّني بصدد الحديث عن بعض الناس ممن يتحدّثونَ بالسوء على هؤلاء الناس, فمنهم من يصفهم بالمرائين, و منهم من يصفهم بالأغبياء وبأنهم يخالفونَ الغرض من الحج وهو السعي والدعاء والعبادة وتأدية المناسك.
لهؤلاء الناس أريد أن أقول: وما أدراكَ أنت إن كانَ يرائي أو أنّه ذهب إلى الحجّ للتسلية وتضييع الوقت والمال أو لِيُقال عنه قد حجّ؟! الحجّ فرض بينه وبين الله، ولكن هل شققْتَ على قلبه لتعلم السبب وراء التقاطه تلك الصورة في هذا الموضع أو ذاك؟ ألا يمكن أن يكونَ التقطها لتكون ذكرى طيّبة؟ وهل أجمل من ذكرى الحجّ وزيارة مدينة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؟
أذكّركم إخواني أخواتي أنّ الله سبحانه وتعالى جَلَّ في عُلاه يحاسب الناسَ على النيّـة الصالحة أو النيّة الخبيثة ولا يحاسبهم على ما دونَ ذلك, و أذكّركم بقول النبي صلى الله عليه و سلم لأسامة بن زيد بعد أن قتلَ رجلاً قال لا إله إلا الله، وظنّ أنّه قالها خوفاً من الموت، فقال له النبي الكريم: أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟!
لا تحكموا على الناس بظواهر ما تشاهدونه من أفعالهم, فعدم الحكم بالظاهر أصلٌ من أصول الإسلام, قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [النساء: ٩٤].
لذلك، وعملاً بالآية السابقة وقول النبي صلى الله عليه وسلم، أدعوكم لأن لا نحكم على الناس من ظواهر ما يفعلون أو يقولون, فلا يعلم الغيب وما تخفي قلوب الناس إلا الله سبحانه وتعالى.
والسلام عليكم و رحمة الله تعالى ورحمته وبركاته…